السؤال:
اكتشفت أن ابنتي 17 سنة لها علاقة حب مع فتاة ولا أعرف كيف أتعامل معها. إنها عصبية وحاولت الانتحار بعد أن واجهتها! ترفض زيارة طبيب نفساني.. أرجوكم أفيدوني.
الجواب:
أختي السائلة: أنت أم مجاهدة في بيتك ومع زوجك ومع أولادك، خلال رحلة زواجك واجهتك مواقف شديدة وأكيد أنك تجاوزتها بجدارة، وتفوقت فيها، والآن تواجهك محنة، تحتاج منك سعة الصدر، وصبرا جميلا، وحكمة بالغة، أنت الآن أم لبنت في مرحلة من العمر تعد من أصعب وأشد وأخطر المراحل العمرية، التي يمر منها أبناؤنا وبناتنا، إنها مرحلة فورة الشباب، وفورة الطباع، وثورة العواطف وتمردها، وكذلك الطباع وتناقضها..
وابنتك مثلها مثل بنات كثيرات من سنها ومن جيلها، ممن جذبتهن المدنية الحديثة، بعاداتها السيئة، وبحريتها المنحرفة، وبعلاقاتها الفاسدة، فانجرفن مع من انجرف خلف الأهواء، وموجات التغريب والقطيعة مع الدين، والقيم والعادات والأعراف الأصيلة فينا وفي حضارتنا الإسلامية، فالتقطت ضمن من يلتقط يوميا مشاهد هي سهام مسمومة وملوثة تدمر الجهاز النفسي والعقلي لأبنائنا وفلذات أكبادنا، فتفجر في النفس رغبات مكبوتة، ونزوات منحرفة وشاذة، وتعود النفس على الاستمتاع بممارسات مخالفة للفطرة السليمة والنفس الزكية..
ابنتك ارتبطت عاطفيا ببنت أخرى، وكان ممكن أن ترتبط برجل، أو بأي شخص آخر، وهذا لابد وأن يسترعي انتباهك واهتمامك وقلقك، وأن تسألي نفسك لماذا ابنتي تحب هذه الفتاة وهل هذا الحب طبيعي أم أنه مبالغ فيه أم هو من النوع الشاذ والمنحرف؟ لماذا ابنتي لا تتقبل صراحتي ومواجهتي لها بالحقيقة؟ ثم لماذا هي ترفض علاجا نفسيا؟ ما الذي يدعوها لتفكر بالانتحار والخلاص من حياتها؟
وإجمالا لماذا أبناؤنا يرتبطون بعرى وثيقة بأشخاص آخرين غير آبائهم وأمهاتهم وأهاليهم؟ لماذا يحبونهم أكثر مع أن حب أهلهم لهم أكثر وأصدق وأخلصا؟ لماذا نجد أسرارهم وحياتهم وثقتهم كلها بأيدي غريبة عنا وعنهم؟
المشكلة ليست في أن ابنتك تحب هذه الفتاة، بل المشكلة الحقيقية في أن ابنتك تحتاج إلى حب حقيقي تشعر به يملأ حياتها وقلبها وروحها،حب تفتقده فتبحث عنه، فكان عندها استقبال مهيأ مسبقا لأي شخص يظهر في حياتها وبعالمها، ويقدم لها ما تحتاجه وما يرضيها ويسعدها ولو كانت سعادة مزيفة، لهذا كان ارتباطها بهذه الفتاة ليس مفاجأة،. بل متوقعا في أي لحظة، فقط أنت لم تكتشفي بعد أنها كانت تبحث عن قلب يحتويها وحب يملأ حياتها ووجدته في هذه الفتاة بحسب اعتقادها، وبحسب مفهومها للحب.
ابنتك بحاجة إليك كأم تمنح ابنتها الحب ولكن الذي هي بحاجة إليه والذي هي تتمناه وتطلبه وتفتقده، إنها تبحث عن سكن في قلب نابض يحتويها بإيجابياتها وسلبياتها، يتفهم مشاكلها وآلامها، ينصت إليها في كل حالاتها، في هدوئها وغضبها، في اتزانها وانحرافها، في صمتها وحديثها، في طاعتها وتمردها.. في كل تناقضاتها وغرابتها.
فهل تجدي في نفسك الاستعداد لتقبل ابنتك بحالتها هذه، تأكدي بأنك وحدك تملكين أن تردي إليها ثقتها بك، وارتباطها بك، ورغبتها بالحديث معك، وبعرض مشاكلها عليك، وبث أسرارها إليك.. لأنها معك الأمان والراحة والسعادة.
دعيها تتحرر من خوفها منك، وامنحيها الأمان من جهتك، وزوديها بطاقة من العواطف، تغنيها عن طلبها من غيرك، فلا تطمع بحب شاذ أو غير فطري أو طبيعي.
كوني لها الصديقة والأخت والمرافقة والحبيبة قبل أن تكوني لها كأم، حتى تركن لجوارك، وتضع راحتها في ظلك، وتسند رأسها على وسادتك كلما ضاقت نفسها، أو أثقل الحزن كاهلها، أو جرح الألم قلبها ووجدانها، وستجدي أنها في كل مرة تفر إليك كلما حزبها هم أو حزن، لأنها معك تشعر بأنها بخير وفي راحة وهدوء واستقرار نفسي.
وقبل أن تطلبي منها الذهاب لطبيب نفسي، كوني أنت ذلك الطبيب النفسي المرافق لها داخل البيت وخارجه، كما بإمكانك أن تستشيري في موضوعها طبيبا نفسيا وتعرضي عليه مشكلتها ليقدم لك الخطوات العملية التي تساعدك في كيفية التعامل معها في هذا العمر الحساس جدا، والخطوات التي عليك أن تتبعينها في علاجها، وتخليصها من براثن هذا الحب الغير الشرعي ولا الفطري، وتأكدي بأنك وحدك تقدرين على معالجة نفسيتها المضطربة باحتوائك الكامل لها.. وباستعانتك بالله واللجوء إليه والتقرب إليه بالدعاء والأعمال الصالحات والطاعات، فحسني علاقتك بالله وأصلحي ما بينك وبينه ليصلح الله بيتك وبين أهلك وأولادك وزوجك وحياتك كلها.
ونصيحتي لك أن لا ترغميها بقسوتك وشدتك وبعدم فهمك لمشاعرها ولمشاكلها ولنفسيتها، على كره حياتها فتلجأ إلى الانتحار أو تعذيب نفسها، اجعليها تحب نفسها وحياتها ووجودها، واملئي أوقاتها داخل البيت وخارجه بأنشطة نافعة ومحببة لنفسها، وممتعة لها، خصصي لها وقتا أكبر وتفرغي لها، وحاولي أن تلازميها أكثر من ملازمتك لغيرها، أنصتي لها بقلبك وعقلك وجوارحك كلها، وحاولي أن تتفهمي ما تحكيه لك، حتى لو بداخلك غضب ورفض لتصرفاتها وردات أفعالها، ولا تجعليها تمل من وجودها معك، بل أسعديها قدر استطاعتك، وحدثيها بمواضيع تحبها وترغب بها، شاركيها في اهتماماتها واختياراتها المختلفة عن اهتماماتك ورغباتك وميولاتك، وعيشي معها عمرها بتناقضاته وثورته لا عمرك بانتظامه ونضجه واتزانه، انزلي معها للمرحلة العمرية التي تمر بها، ولا تجعليها ترتقي للمرحلة العمرية التي أنت فيها، لأن هذا يستحيل عليها عقلا وواقعا..
ابنتك ما زالت شابة، لا تعرف بأن نصائحك وإرشاداتك لمصلحتها، فليس كل ما تقدمينه لها من تجارب وخبرات ستقبل به حتما وتقتنع به عقلا وإحساسا، فهي لا تدرك بعد بأن ما تفعله أو تمارسه هو مضر لها أو يؤذيها ويهدد مستقبلها وحياتها، لأن عقلها لم يسجل بعد تجارب ومواقف واختبارات كافية لنضجها والتزامها وإحساسها بالمسؤولية، واستقبال ما تقدمينه لها بنفس راضية، لهذا لا تكوني جلادا لا تملين من تكرار أسطوانة المربية والموجهة والمعلمة في كل الساعات والأوقات التي تقضينها معها حتى تكره نفسها وتكره أن تكتشفي نقائصها وأخطاءها حتى لا تعاتبينها وتؤنبينها، فدعيها تتعلم من أخطائها، وامنحيها وقتا لتتعلم وتكتسب خبراتها بنفسها وبمساعدتك، لا تجعلينها تشعر كلما أخطأت بأنها أمام قاض قاس جدا لا يقبل إلا بإصدار حكم واحد هو حكم الإعدام بحقها، فتختار حينها أن تصدر حكم الإعدام في حق نفسها باللجوء إلى الانتحار.
ابنتك تحبك ولكنها تحتاج هي أيضا أن تشعر بحبك لها لكي تعترف أمامك بحبها لك باختيارها وبرغبتها، وحينها ستتحرر من أي حب مزيف اتجاه رجل كان أم فتاة، ويوم تختار حبا آخر ستختاره بعقلها وبقلبها، وبالوجه الصحيح والشرعي، وستكونين أنت أول من ستخبره بذلك بنفسها من غير تردد أو خوف.
أنصحك أيتها الأم المربية في هذه المرحلة بأن تستعيدي حب ابنتك وارتباطها بك وصداقتها لك، وأن تعيديها لحضنك ولحنانك ولرعايتك النفسية والجسدية.
أتمنى مستقبلا إن شاء الله أن تصلني أخبار سارة عنك وعنها، وأن تخبريني بنفسك بأنك نجحت في حل مشكلة بنتك لأنك تحبينها، ولن تقبلي أبدا بأن تدمر نفسها بأي شكل من الأشكال.
أسأل الله العلي القدير أن يسدد خطواتك ويرشدك لطريق الهداية والفلاح في مهمتك وفي القيام بواجبك على الوجه المرضي اتجاه بنتك، وأن ويوفقكما لما يحبه الله ويرضاه.
الكاتب: صفية الودغيري.
المصدر: موقع المسلم.